تونس
تماضر عيساوي تونس
في اطار فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته العاشرة بتونس جاءت مسرحية شواهد الليل من الاردن للمخرج خليل نصيرات و تمثيل كل من سوزان البنوي وثامر خوالدة وعبد الله العلاّن اضاءة ماهر جريان لتشارك في المسابقة الرسمية لهاته الدورة .
مسرحية شواهد الليل سلطت الضوء علي موضوع هام جدا و حولته الي عمل فني بمثابة دعوة موجهة الي الجهات الرسمية لاعادة النظر بهدف انصاف شريحة منسية و مسكوت عنها في المجتمع ل مجهولي النسب او كما يسمونهم في مجتمعاتنا” اللقطاء” .
سكن الليل ؤ علي وقع صدي الانات في عمق الظلمة تحت الصمت تعلو صرخاته و يتدفق لهيب الحزن داخل ذاته هكذا كانت معاناة عزمي ذاك الشاب الذي ولد و رمي في كيس زبالة ليعيش في الميتم و يصبح مجرد صورة لشخصية وهمية دون هوية او وجود قانوني ليبقي طول حياته مسجونا داخل ذات معتمة الي ان تعرف علي شروق.
هي فتات تعيش نفس الحالة و الاضطرابات النفسية و صراعا بين ام اختارت ان تلغيها من حياتها لتعيش عربدتها و خمورها و مجونها و بين امومة قابعة في بطنها متمسكة بها و خائفة ان تواجه ننفس مصيرها فتختار ان تسافر الي عالم احلامها عبر اقراص مخدرة يشاركها فيها عزمي الذي و لو للحظات قليلة بعيداعن واقعه المرير يشعر باستقلاليته و وجوده الذاتي.
فعزمي نحده في خطاب مباشر مع الشخصية الكرتوننية ميكي ماوس يتحدث معها وكانه يعيش زمن الطفولة الضائعة في عتمة الليل و سط مجتمع لم يتقبله و ام تخلت عنه و اب نبذه .يعود بفضل حبات الهلوسة لينير خياله و يتمتع بلحظات من الصدق و المحبة البريئة التي تخلصه من عقده ومخلفاتها كالتاتاة في كلامه.
.
مسرحية شواهد الليل هي صراع الذات المبعثرة والممتلئة بالعقد النفسية المتازمة جراء المعاملات السيئة و الكلمات الجارحة التي يعيشها مجهولي النسب طوال حياتهم:
ابعد خليني احك مع اولاد الناس يا ……
وجودكم بالدنيا غلط غلط غلط
لا تحك مع هاد لانو ابن حرام ابن حرام
كل هذه الجمل ولدت الالام داخل الشخصيات و لذلك اختارت شروق ان تطلب من عزمي ان يصبح ابا لابنها الذي لا يزال قابعا في بطنها علما منها انه الوحيد الذي يعرف معني ابن بلا اب.
ومن غريب المفارقات ان نجد ان عزمي يرفض هذا المقترح و لا يقبل ان يعطي نسبه الي الطفل المنتظر .
و هنا اراد المؤلف المصنف ضمن مسرح العبث ان يركز علي المفارقات و الدلالات المسرحية التي تحيل المتفرج الي المجتمعات التقليدية و الرجل الشرقي في علاقاتهم مع الام العزباء او مجهولي النسب .
اختار المخرج في هاته المسرحية سيارة قديمة خردة في مستودع لتكون مكان لجوء شروق و عزمي من خوفهم و ماضيهم و في كل مشهد كانت تتجول شخصية ثالثة تكتفي بالتصوير فقط ثم تخرج و كانها صورة للمنظمات و الجمعيات التي تستغل معاناة الغير باسم الحقوق و الشعارات و توهمهم بامال زائفة و هنا دعوة غير مباشرة للجهات الرسمية لاعادة النظر في هاته المسالة.
و قد صاحبت هذه المشاهد انارة خافته في بعض الاحيان و قوية في احيان اخري كما تتغير الالوان بتغير نفسية الممثلين و حسب علاقاتهم و تواصلهم بالماضي ونبشهم لذكرياتهم و محاولاتهم لاسترجاع حاضر غائب فهم صور تنكسر كل يوم.
وقد تباينت اراء النقاد المسرحيين وتنافرت فهناك من اعتبر العرض عادي جدا على الرغم مما فيه من جوانب الدراما النفسية باعتماد مرجعية توماس يونغ وشخوص نمطية في حالة صراع .
رأي آخر يرى أن المسرحية هي دراما اجتماعية أساسا بما أنها تطرح موضوع مجهولي النسب وهو موضوع مسكوت عنه والتطرق له يحسب للمخرج وما العنوان “شواهد ليل” إلا إحالة على الشريحة التي تحال على الغياب.
العرض له هدف ويذهب نحوه مباشرة هكذا كان رأي آخر ويفصح عن أسرار نعيشها في مدن مهترئة ومكتظة بالعتمة والفقر.