وبالعمل تطيب الحياة … أحمد كشك

Loading

قال الله عز وجل : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) فقد بين الله عز وجل أن الحياة الطيبة لا تكون إلا بالعمل الخالص والجاد أيا ما كان نوعه فلم يفرق بين عمل أو آخر كما لم يفرق بين إنسان وأخر
لقد جاء الإسلام بمثل ما كان عليه من كانوا قبلنا ، فقد جاء ليحث ويدعوا إلى العمل والإجتهاد والتعب سواءا كان العمل للدنيا أو الآخرة ولذلك تجد الآيات التي تبعث النشاط في قلوب من يتدبرها ليعمل ويجتهد ولا يكل ولا يمل
قال الله عزوجل : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))
والعمل المقصود هو الذي يتناسب مع رسالة الدين الحنيف و لا يتنافي مع الشرع وتكون الغاية منه الحصول على منفعة مادية أو معنوية بطريقة مشروعة ويصل به الإنسان لأن يعف نفسه عن سؤال الناس ويفر احتياجاه واحتياجات من يعول
لذلك ترى بوضوح أن رسالة الإسلام هي حرب ضد البطالة ، فالشرع يريد أن يرى مجتمعا نشيطا عاملا كادحا منتجا أفراده كخلية النحل في العمل لا يكلون ولا يملون ولا يريد مجتمعا كسولا متهاونا مستهلكا يعتمد على غيره في كل شيء
وهذا هو ما نراه للأسف في مجتمعاتنا فترى شبابا ورجالا يرفضون العمل لمجرد أن الوظيفة صغيرة لا تناسبه أو أن المرتب ضعيف وتراه في المقابل لا يبذل حتى جهدا يستحق مقابله ما يتمناه يجسد أفضل حالة من الطموح بلا عمل
لو نظرنا نظرة لمن هم أفضل منا مقاما عند الله لترى أروع الأمثلة التي يحتذى بها فلكلِّ نبي مِهنةً أو حِرْفة وهذا تشريف من الله عز وجل للعمل أن علَّمها أنبياءَه ورُسلَه، فآدم أبو البشَر – عليه السلام – كان فلاَّحًا يحرُث الأرض ويزْرَع بيديه حتى مات ، وتساعده زوجتُه حواءُ في جميعِ الأعمال التي تتطلَّبها مهنةُ الزراعة، ويصنع المعدَّاتِ التي تُعينه على ذلك ، ونبيُّ الله إدريس – عليه السلام – كان خيَّاطًا، وكان نوحٌ – عليه السلام – نجَّارًا؛
وكان خليلُ الله إبراهيم – عليه السلام – بنَّاءً، وشرفه الله تعالى ببناء الكعبة البيت الحرام وعاونَه في عملية البناء ولدُه إسماعيل – عليه السلام قال الله تعالى -: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ البقرة: 127]

وكان إلياسُ – عليه السلام – نسَّاجًا، وكان داودُ – عليه السلام – حدادًا يصنَع الدروع؛ قال الله تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾سبأ: 10 – 11
أمَّا سيِّدنا موسى – عليه السلام – فكان راعيًا للغَنَم ؛ قال – تعالى -: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾ طه: 17 – 18
وكان سيِّدنا عيسى – عليه السلام – يَعْمَل بالطبِّ؛ قال الله – تعالى – في كتابه الكريم: ﴿ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ آل عمران: 49
أما خير البشر رسولُنا الكريم محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – فكان يعمل منذُ الصِّغر راعيًا للغنم، وهو لم يبلغِ السادسة من عُمره، وكان النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – بعدَ ذلك يذكُر في تفاخر وسرور أنه كان يرعى الغنم ولا يجد حرجا في ذلك ، وكان يقول: ((ما بَعَث الله نبيًّا إلا رعَى الغَنَم))،
كما كانتِ التجارة من الحِرَف الشريفة التي تَشيع بين أهل مكة، وكان لقريشٍ رحلتان تجاريتان: إحداهما في الصيف إلى الشام، والأخرى في الشتاء إلى اليمن، وكان أبو طالب يخرُج للتجارة كما يخرُج غيرُه من أشرافِ قريش ويُروى أنَّ محمدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – حين بلَغ التاسعةَ من عُمره تعلَّق بعمِّه أبي طالب ليصاحبَه في سفره، وفي هذه الرِّحلة بدأ محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – يدرك قيمةَ التِّجارة، ويَعرِف ألوانًا مختلِفة مِن معاملاتِ الناس وأخلاقِهم، ممَّا وجَّهه فيما بعدُ إلى الاشتغال بهذه المِهنة أضِفْ إلى ذلك أنَّ السيدةَ خديجةَ – رضي الله عنها – كانتْ تُنمِّي مالَها بالتجارة، وتَعْهَد به – نظيرَ أجْر – إلى مَن تثِق فيهم مِن أهل مكة، وقد عرَض عليها أبو طالب أن يُتاجِرَ لها ابنُ أخيه محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – فرحَّبَتْ بذلك ولعلَّ ما اشتهر عنه مِن الأمانة وحُسْن الخُلُق والاجتهاد كان من العواملِ التي دعَتْ خديجةَ – رضي الله عنها – إلى اختيارِه للتجارة في أموالها
ومن هنا نرى أنه لا حرج في أي حرفة مهما كان قدرها وحجمها مادامت منضبطة بضوابط الشرع فلو أن هذه الفكرة سادت في المجتمع وأقبل الشباب ولم يبالي كل شاب من الصعوبات والمفسدين وأعداء النجاح وأقبل على العمل لتحول الحال في بلادنا للأفضل ولتقدم المجتمع وارتقى فوق سائر المجتمعات الأخرى ولكن بشرط الالتزام بما أمر الله عزوجل به الرسل﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ المؤمنون: 51
نسأل الله عز وجل أن يجعل مصر بلد أمن وأمان وتقدم ورخاء وسائر بلاد المسلمين

تعليقات الفيسبوك

عن حسام فوزي جبر

شاهد أيضاً

أهم أدعية العشر الأواخر من رمضان

بدأت أولى ليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان 2023 وهي ليلة 20 من رمضان وتستمر …