الدرويش في رحاب الحسين “الجزء الأول” بقلم محمد أبوهرجة

Loading

قادته الاقدار ان يذهب الي القاهره واختصته ان يذهب الي احب الاماكن الي قلبه… الي رحاب مسجد الحسين..

اغلق عينيه البريئه وتذكر جزء من طفولته..

بابا احنا رايحين فين … مش هنروح نتغدي في البيت خاطب الطفل والده… ا

جاب الاب… سنتناول الغذاء ولكن ليس في البيت عندي لك مفاجاه….كان هذا في يوم شتوي جميل وبعد صلاه جمعه كان حينها لايزال يتلعثم الطفل عند قراءه التشهد في الصلاه….. ارتدي الطفل صندله الاسود ولم يحكم اغلاقه فكان بين الحين والحين يجد احدي رجليه تمسح تراب الشارع…فيعود بسرعه لادخالها في صندله الطفولي البريء…..استقل هوا ووالده السياره الاجره والتي كانت ينادي السائق القاهره القاهره…..

سأل الطفل والده ايه القاهره دي يا بابا …..

فرد هي القاهره التي لم تقهر …. لم يفهم ولكنه لم يرد فقد كان يشعر بالسعاده لانه بين يدي والده ويركب سياره تسير بسرعه وغفا الطفل وهو لا يعرف ماذا تحمل له الاقدار…. اصحي خلاص وصلنا …. ايقظه والده.. ليفتح عينيه ليجد نفسه امام مسجد كبير وحوله الالاف من الناس… انبهر الطفل ليسال اسمه ايه ..؟؟؟

انه مسجد الحسين… الحسين مين الحسين ده ؟؟؟ انت بتسال كتير ليه بكره هتعرف كل حاجه.. ادخل علشان نصلي. دخلا وقد كان يراقب والده وهو يصلي في خشوع.. ويذهب الي مقصوره مذهبه ومكان ملأته رائحه المسك والبخور الرائع .. ويقرا الفاتحه ويتمتم بكلمات.. انت بتكلم مين يا بابا.. انا بسلم علي الحسين يا حبيبي. تاني الحسين يا بابا…. ايوه ده حفيد الرسول محمد مش انت عرفت عن النبي بتاعنا محمد … ايوه عرفت شويه مش كتير …. مش انت سمتني علي اسمه.. ابتسم الاب. انت يا محمد متبطلشي اسئله… كل شويه تقولي هي النجمه دي في السماء جايه منين وراحه فين… والقمر بيطلع ليه.. والشمس ليه مبتظهرشي ليه بالليل… قلتلك لما تكبر هتعرف كل حاجه…..يالا سلم علي الحسين … امتد يد الطفل وهو يحمل في يديه الاخري صندله الطفولي وردد ازيك يا حسين.. ورأي الكثير يبكون وهناك من يقبلون المقصوره.. وهناك من هم صامتون ومن هم خاشعون….

بابا مش هنتغدي طب تعالي دخلا الاب وطفله الي مطعم امام المسجد اسمه “الدهان” ..بابا هوا صاحب المطعم بيدهن الحيطان … ابتسم الاب لا اسمه كده.. تناول الطفل اجمل وجبه تناولها خلال طفولته البريئه وقد كانت قطعا من اللحم المشوي . وقد كان يراقب من ياكلون حوله… ويري اشخاص لهم ملابس غريبه واشكال غريبه… مين دول يا بابا .. اقارب الحسين..؟؟ ابتسم الاب لا دول اجانب… وعرب جايين يتفسحوا زي ما انا بفسحك…

بابا . انا مش عايز اتفسح … طب عايز ايه..؟؟؟ عايز كوره زي بتاعه بيبو الخطيب.. الي بيجيب اجوان…. مش وقته خالص… يالا علشان لسه هوديك قهوه الفيشاوي…. طب هتجبلي الكوره امتي.. ظهر علي وجه الاب الغضب… وجذب طفله من يديه…

ومجددا بدات اصابعه تخرج من صندله الذي يرتديه في قدمه.. كان هذا الصندل له هو شيء فارق في حياته فقد كان يعتقد انه هو من يقوده الي الحسين والغذاء الجميل والاشكال الغريبه التي يراها.. دخلا الي المقهي وكانه دخل الي عالم سحري عجز عن ادراكه …كانت حياته هي المدرسه واقسي امانيه ان يلعب بكره ….فكيف لطفل ان يستوعب تلك النقله التي كانها اخذته من قريه صغيره الي محيط مخفي داخل كوكب المريخ البعيد… كان هناك احتفال بمولد الحسين…. وجلس الطفل علي المقهي وقد اصابته لوثه مما يراه …اشخاص يرتدون ملابس خضراء.. واخرون يلبسون ملابس سوداء.. واصوات اهازيج وروائح وعطور….. ولا مكان لقدم بالمقهي.. التي تحيط بها مرايات كبيره جدا تعكس وجوه الجالسين من جميع النواحي…. فكان يري وجهه الطفولي من كل اتجاه….

اشرب انا طلبتلك عناب… ايه العناب ده…؟؟ اشرب بس هيعجبك… اه جميل اوي…. انشغل والده عنه بقراءه احدي الصحف…وانشغل هو عن والده بشرب العناب… . وبدا يلعب في صندله مجددا… وبعد فتره اكتشف ان هناك سيده جميله قامت برسم لوحه له….وصندله…. فتح فمه دهشه … بابا بابا واحده صورتني… ابتسم الاب لا دي رسمتك…. هوا الرسم غير الصور … طبعا…. قوم خلينا نكمل ….

هنروح فين تاني.. شارع المعز لدين الله… لسه قدامنا كتير … هنروح نزور امير الجيوش والسلطان قلاوون… وبيت السحيمي….. وابن برقوق … وباب الفتوح…. وهنزور الازهر…….. مسك في يد والده… ولم يكن يفهم شيئا مما قاله الاب… وكان يريد فقط ان ينام … مع العلم انه كان في وسط الالاف البشر….. اخر ما يتذكره …. ان والده يحمله وهو بين النوم وبقايا اليقظه يسمع اصوات بعيده تتجمع مدد مدد يا حسين……. وشوارع غريبه ليس كشارع مدرسته… كان هناك لبس عند الطفل هل هو في الواقع ام في سبات النوم… كان يغفو ….. وحين يتنبه يلمس بيديه صندله…. الذي فقد احدي فردتيه ….في رحاب الحسين….…..

استفاق الطفل بعد مرور بعد مرور ثلاثين عام ليجد نفسه وحيدا يرتدي حذاءا مفتوح يشبه صندله البعيد ليساعده حين تتورم رجليه…. وقد صار كهلا في ريعان شبابه…. استفاق وتذكر اول زياره له للحسين… فتمني ان يقف عمره عند تلك الزياره الاولي…..

ليسمع صوت شاب وشابه الي جواره…. في شجار…. رنيت عليكي اربع مرات مردتيش ليه…

ماما كانت جنبي… معرفتش ارد..

مش كان فيه ميعاد بينا نيجي فيه هنا شارع المعز….

غصب عني ردت الفتاه … اعمل ايه….

ادرك انهما طالب وطالبه في احدي الكليات…. وبينهما مشاعر حب…..

قال الشاب استنيتك اكتر من ثلاث ساعات….. وبدا الشجار مجددا….

طيب حقك علي متزعلشي….. روح هاتلي كوز دره انا نفسي فيه….

ارادت بذكاءها ان تمتص غضبه…. ابتسم وذهب مسرعا….

استدار اليها وقال لها … ليه تكدبي… وتقوليله انك مكنتيش عارفه تردي عليه..؟؟؟؟

ارتبكت الفتاه واستدارت لترد انت ليه بتقول كده… انت تعرفني ؟؟ انت من غمره.؟؟؟

رد انا عايز مصلحتك…. انا عارف ان مامتك قالتلك تقطعي العلاقه الدي….

انت كمان تعرف ماما… انت مين…..

انا درويش …

درويش مين..؟؟؟؟

اسمي الدرويش.. لا يعرف لم اختار هذا الاسم….

عمو درويش انت بجد تعرفني .. ماما فعلا قالتلي مكلموش…. علشان انا فيه واحد متقدملي وظروفه كويسه جدا…..

هي عندها حق وخايفه علي مصلحتك….

بس انا متعلقه بيه …..

قولتلك ده مش حب……

نظر الدرويش حوله ليجد فتاه تمر وتجر ثلاثه اطفال وزوجها ياكل منغمس في اكل كوز من الدره المشوي .. وهي تسير وكانها ستفقد وعيها او ان احد يقودها الي تنفيذ حكم الاعدام…. هل تريدين ان تكوني نسخه من تلك الفتاه.. كانت مثلك علي علاقه بشاب ولها في كل شبر هنا ذكريات ولكنها تزوجت من اخر يتدلي كرشه مع اكل الذره ويمشي لا مبالي . وهي تمشي محطمه….

عمو درويش انت بتعرف ازاي….

لم يجب الدرويش…

انا خايفه اوي…. اعمل ايه….

انا قلتلك وخلاص…..

سرحت البنت لتعيش في صراعها وهي تراقب الفتاه امامها وهي تجر اولادها وتتلفت يمينا ويسارا.. وكان قلبها المسكين قد نزعوه منها واخفوه في جنبات شارع المعز لدين الله بين اطلاله واثاره….. وافاقت البنت علي صوت حبيبها وقد جاء بكوز من الذره..

احلي ذره لاجمل عنيني حلوين… ابتسمت.. واخذته من يديه….

كان الشاب رومانسيا..

يقول لها السنه الجايه اخلص وبعدين هدخل الجيش يا اما سنه او ضابط ثلاث سنوات… وبعدين هدور علي شغل…

كانت الفتاه تسرح في كلامه وتتذكر تعليمات امها بضروره انهاء العلاقه…. وتنظر الي الدرويش..

تعالي نتصور يالا.. قال الشاب لفتاته…

معلشي اصل الطرحه مش مضبوطه….

مش مشكله نتصور كده …

قام الدرويش وترك الفتاه في صراعها … وترك الشاب في احلامه…..وحين قام الدرويش راي الفتاه ممسكه بالذره في يد وفي اليد الاخري منديل…. وهي تاخد اخر صوره لها مع حبيها… وراي الدرويش عينيها قد احمرت احمرار غريبا من بكاء داخلي… وبقعه من الدموع انسكبت… وحبيبها يبتسم ويقول معلشي الذره شكله عملك حساسيه في عينك ثواني اجيبلك مناديل….ومياه.. وقفز في خطوات متلاحقه…

نظر الدرويش الي الفتاه وودعها … وهي تستجديه ان يكمل حواره ان يجد لها امل……لم يلتفت لها وهي تتابعه وكانها تستجديه.. سار مسرعا . وهي تلاحقه.. وتلاحقه بنظراتها….ك

انت علي وشك ان تصرخ يا درويش علشان خاطري.. خلي فيه امل….

وقف الدرويش امام مقصوره الحسين بعد صلاه العشاء.. ويتذكر اولي زياراته بابا انا هاجي معاك عند عمو الحسين تاني امتي.؟؟؟؟ طب ممكن اقول لعمو الحسين يجيبلي كوره الخطيب بيبو… ومش هقول لحد في المدرسه…. بابا عايز اشرب عناب تاني. . …… واشوف نفسي في مرايات مقهي الفيشاوي…. بابا انا عايز صوره علشان ارسمها… بابا هاتلي كراسه رسم….

 

 

……………………………………. وللحديث بقية

دكتور محمد عبد الغفار أبوهرجة

عن حسام فوزي جبر

شاهد أيضاً

“دور القدوة في بناء الطفل يبدأ من المنزل”.. ندوة بعرض القاهرة للكتاب

متابعه – ندا حامد شهدت قاعة مؤسسات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، المنعقد …