الفنان الشعر / محمد ابو العزم
مازلتُ أحلمُ
بالذي يوماً سيأتي ثائراً
في عَذْبِ ماءِ النيلِ ـ إذ يأتي ـ
وفي أفاقِ دجلةَ والفراتْ
مازلتُ أحلمُ بالذي يوماً سَيأتي ..
في ارتحالاتِ القبائلِ
خلفَ أنفاسِ الشتاءِ
وفي ابتهالاتِ المساجدِ
في أناشيدِ المدارسِ
في نواقيسِ الكنائسِ
والهتافاتِ التي
ما حركتْ قَوسَاً على وترٍ
ولا عادتْ على جَوْعَى القبيلةِ بالفُتاتْ
مازلتُ أحلمُ بالذي يوماً سيأتي ..
في مواويلِ البِشَاراتِ التي ـ يا طَـالَـمَا وَعَدَتْ ـ
ولم يأتِ البشيرُ بما وَعَدْ
“يا ليتَ هنداً أنجزتنا مَا تَعِدْ”
مازلتُ أحلمُ ـ مثلما كلُ البلادِ ـ
بالفارسِ الضوءِ الملثمِ، والحصانْ
وجزيرةٍ ما عاشَ فوقَ أدِيمها غير البنفسج
والسفرجلِ والنسيم وذكريات الوجدِ في قوسِ الكمانْ
والصافناتِ من الجيادْ
وجداولِ السِّحِرِ التي تـمشي الـهُوَيْنَـى
حولها ـ تمشي الى قلبِ المدينةِ
بعضُ أحلامٍ يُبَلِّلُ ريقَها وهمُ الحصادْ ـ
مازلت أحلم مثلما كل البلادْ
بالفارسِ الضوءِ الملثَّمِ يحتويني
يحتوي وجعي، يُمِيطُ لِثَامَهُ
ويُحَطِّم الأصنامَ في شفتي
فتَلْتَئمُ الجروحُ على يديهِ
ويردني للنيل قبل مُثولهِ للعابثين بما لديهِ
ويزيل عن جسدِ الخصوبةِ جدبَها
ويردّ اسرابَ الجرادْ
***
يا أيها الحلمُ السَّخي بكل حسنٍ تشتهيه النفسُ
والحلقُ الظمي
هل في خزائِنِكَ المديدةِ منطقٌ ودفاترٌ
تكفي لأحلامٍ تُنكِّسُ رأسَها ـ يأساً ـ وتسبحُ في دمي
هل لي بهنَّ من الأمانِ عواصمٌ
في حِجْرِها يغفو الشريدُ ويَـحتمي
***
يا أيها الحلم المقيمُ على تفاصيل الفواصلِ والحدودْ
هل أكتفي بك؟! والموانئُ تهجر الشطآنَ
تلهثُ خلف هاتيكَ الوعودْ
هل أكتفي بالفارسِ المفتاحِ في حلمٍ أباغِتُهُ
وأفرضُ من تفاصيلي، ومن تعاويذي عليه، ومن تعابيري عليه
ومن بقايا ما تَبقى من بلادْ
***
مازلت أحلمُ
ثم أحلمُ
ثم أحلمُ
ربما الأحلامُ تصنع ما عجزتُ أنا وكلُ الحالمينَ بقريتي
شيئاً يساوى الحلمَ
يَنْفُثُ من بقايا المجدِ ناراً في الرمادْ.