حسام فوزي جبر يكتب … “رأيت الله”

Loading

 

 

خلال السنوات الأخيرة وعقب ما يُسمي بثورات الربيع العربي والتي كان من أسوأ نائجها إخراج بعض الأفكار التي كان أصحابها يوارون من الناس وقد  وجدوا أنفسهم ممن تفتح لهم بعض الدول أذرعها لتساعدهم وتتبناهم، فقد تحدثنا كثيرًا عن الفساد الخلاقي والإستعمال الخاطئ للحريات وكيف أن حريتي لابد أن تتوقف وتنتهي عند حرية الآخرين، ومن بين هذة الأفكار التي كان أصحابها لا يعلنونها فكرة إنكار وجود الله “الإلحاد” -والعياذ بالله- وبكل حزن وأسف وأسى وجدت من خلال الدراسات أن مصر، في صدارة الدول العربية فى انتشار الإلحاد، حسب تقارير لمعاهد بحثية دولية متخصصة، ورغم هذه الكارثة، فإن المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر والكنيسة، لم يتحركا إلا قليلًا لمواجهة هذا التطرف الإلحادى الهادم للمجتمعات والأسر، وبكل أسف وحسب بعض الدراسات لا يقل الملحدين في مصرنا الغالية عن 5 ملايين ملحد، معظمهم فى الفئات العمرية من 20 وحتى 25 عامًا، متخذين من الحريات والديمقراطية المزعومة ستارًا لإعلان هذا الكفر، وبما أننا في وطن يحترم دستوره وسيادته فإن نص المادة 64 من الدستور المصرى تنص على أن حرية الاعتقاد حرية مطلقة، لذلك علينا مواجهة هذا الفكر الشاذ بفكر مستنير لا بالعقوبات المغلظة التي نادي بها البعض، ورغم أنني شخصيًا لا أُنكر أنني أتمني عقابهم عقاب رادع عقب مناقشتهم بالحجة والدليل القاطعين، إلا أننا نحترم حرية الجميع في الإعتقاد حتي وإن تأكدنا من شتاتهم وكفرهم بكتب الله ورسله ففي النهاية سنرد بنص كتاب الله الحكيم “لكم دينكم وليَ دين”.

 

فالإلحاد في السابق وفي بداية ظهوره بمجتمعاتنا كان يرفض الدين وكل ما يتعلق به -أي دين من الأديان السماوية-، ولا يعترف بوجود الله عز وجل، ويتجاوز الأمر علي هذا، ولكن بكل أسف تطورت الفكرة مع تطور العالم ومع عصر السموات المفتوحة وروافد الاتصال ونشر الأفكار المشوشة لا تعد ولا تحصى، وغياب الأهل وقصر دور الدراما والميديا -التي طالما هاجمنا صناعها- علي الجهلة وأنصاف المتعلمين من طالبي الشهرة والمال، فوجدنا إلحادًا يتخذ من الدِّين هدفًا للنَّقْد والهجوم المستمر، ويصف الدين أنه مصدرًا للشر في العالم، ويدعوا إلى عدم التسامح معه، وعدمِ القبول بوجوده في أي مجال وفصل الدين عن كل نواحي الحياة، والإلحاد -عياذًا بالله- هو مذهب فئة أنكرت وجود الله وما آمنت به، وكما قيل (الإلحاد صديق الجهل)؛ والملحدون لا يعترفون بإله لهذا الكون لأنهم لا يرونه، فهم لا يؤمنون بشيء غير محسوس، رغم إيمانهم هم شخصيًا بأشياء غير مرئية كالألم والحزن والأمل والطوح وأشياء كثيرة ولله المثل الأعلي سبحانه ليس كمثله شيء،ورغم أن العقل البشري يعلم أن حواسنا قاصرة عن معرفة أو إثبات وجود كل شيء، ولهذا قال البعض عن الإلحاد: أنه عدم العلم لا العلم، فالملحد يقيم إيمانه على عمى، بينما المسلم يقيم إيمانه على بصيرة لا بصر، فالعقيدة محلُّها القلب، فصدق قوله تعالي “فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.

 

 

ويستند الكثير من الملحدين لقانون السببية الذي يعني أن هناك سببًا من وراء كل عمل، وأصحاب الدين يعلمون أن هذا القانون هو عمدة براهين إثبات وجود الله. فالشيء لا يكون علّة نفسه، فلا بد من وجود علّة أولى هي الله الموجود الخالق لكل هذا الوجود.، وما يُطرح على الساحة الإعلامية عبر كل وسائل الاتصال والتواصل كمًا ونوعًا وإتاحة الفرصة لهؤلاء الملحدين لإستقطاب أولادنا لم يكن موجودًا قبل ذلك، فلابد للخطاب الديني والمجتمعي أن يقدم فِكرًا جديدًا وأسلوبًا يرتقي إلى أفكار شبابنا، وأن يعايش همومهم وشكوكهم وتساؤلاتهم وأن يجيب عن الأفكار والقضايا التي تسببت فيها تيارات فكرية شاذة تجاذبتهم، فلابد من أن نعترف أننا أمام كارثة كبيرةٍ تتمثل في رفض الشباب للخطاب الديني جملة وتفصيلًا، في ظاهرة أعتبرها الأسوأ في مجتمعاتنا العربية والشرقية والإسلامية بل والعالم أجمع فعلينا تحمل مسؤوليتنا أمام هذا الفكر المدمر لكل شيء فالدين هو أساس الحياة.

 

ولعلنا فى تجاربنا الحياتية وخبرتنا المتفاوتة نجد تلك اللطائف الربانية التي يُرسلها المولي عز وجل لنا لنتأكد ونتيقن ونزداد إيمانًا علي إماننا وتصديقنا وتسليمنا بوجوده وقدرته، فمن منا لم يمنعه شيء من المرور بشارع حدثت به كارثة لسبب لم يكن ليمنعه مهما كان فكم من مرة فاتك موعد سيارة أو حافلة أو قطار لتسمع أخباره بعد قليل وقد تأذي كل من لحق به، وكم منا خطي خطوات عديدة في طريق ليجد من خلاله طريقًا آخر لعمل او لرزق أو لمسكن لم يكن في الحسبان نعم إرادة الله ووجوده وحكمته وحسن تدبيره سبحانه تتجلي في كل الأوقات وعلي الجميع دون إستثناء فالكل ينعم بفضل الله وعنايته فالله موجود قبل الزمان والمكان وهو خالق المكان والزمان، ولا يحتاج إلى الزمان ولا إلى المكان، فهو موجود بلا كيف ولا مكان ولا يجري عليه زمان، لا يقال متى كان وكيف ولا أين ولا يقال في كل مكان، بل يقال الله موجود بلا كيف ولا مكان ولا يجري عليه زمان.

 

ومن خلال هذا المقال سأذكر لك عزيزي القارئ أحدي اللطائف الربانية والدليل الدامغ علي وجود الله وحكمته ولطف وحسن تقديره لأؤكد من جديد أني “رأيت الله”، وجميعنا رأيناه سبحانه، يحكي لي صديقي وأخي الأصغر طبيب العلاج الطبيعي أحمد عبد الفضيل، المدرس بكلية العلاج الطبيعي بقنا، انه أثناء الدراسة منذ ما يزيد عن 10 سنوات، كان في جدال كبير مع صديقه الملحد سأله صديقه هل تعتقد أنه موجود؟! فأجابه لا أعتقد أنه موجود أنا متيقن أنه موجود، لتنتهي هذة الجلسة دون الخوض في تفاصيلها ليبعث الله بعدها برسالة لصديقي الصغير السن وقتها، وكأنه يخبره ويؤيده، نعم أنا المجود مدبر أمر كل شيء ولا أحد سواي، يقول عبد الفضيل، في حكايته لي أنه في يوم شديد الصعوبة حيث كان لديه إختبار هام في كلية العلاج الطبيعي بالقاهرة وهو من سكان محافظة الدقهلية، لم ينم جيدًا عقب نقاشه ومن بعدها مراجعته لمادة الإختبار إستيقظ عند الساعة السادسة صباحًا فهو بذلك لم ينم سوي ما يقرب من ساعة ووجد نفسه يشعر بألم لا يُحتمل في جسده حاول الإسترخاء قليلًا فغط في النوم المتقطع من جديد وهو ما أصابه بإجهاد أكثر بعد ليلة من الأرق الشديد، ويُكمل إستيقظت بعدها وكأن شيئًا  ما ايقظنى، ووجدت هاتفي قد أفرغ شحنه، ما أصابي بالرعب أكثر من ذاك اليوم فكيف لطالب بكلية العلاج الطبيعى أن يفصل هاتفه فى ذلك اليوم الهام بل والمصيري واصفًا المشهد أن ضربات قلبه كانت تقصف أذنيه، فيشحن الهاتف، لدقيقة ليرن الهاتف، فيجد زميله الطيب المُسالم بنفس الكلية يخبره بأنه في إنتظاره منذ وقت طويل في موقف السيارات، يهم بالنزول فيجد والدته -رحمها الله- فيعاتبها : “ماصحيتنيش ليه يا ماما؟، فترد برد غريب ماتروحش النهاردة قلبي مقبوض ومش مرتاحة، أجل الامتحان”، فيخبرها ويطمئنها وهو يحتاج من يطمأنه، لتهديه دعوة أم فلاحة مصرية أصيلة -رحم الله أمهاتنا جميعًا- روح يابنى ربنا يستر طريقك”

ويكمل صديقي حكايته، أقتربت الساعة من السابعة وهو موعد الإمتحان وأنا أجري في شوارع المدينة يري الناس والسيارات كومضات مسرعة يصل إلى موقف السيارات يجد صديقه يخبره برغبته في سيارة حديثة يحصل فيها علي مقعد أضافي لينام في السيارة حتي يستطيع التركيز، ويوجد في الموقف فقط سيارتين واحدة حديثة 14 راكب والأخري قديمة 7 راكب، إختارا الحديثة لأنها الأسرع إلا أنهما فوجئا بسائق السيارة الأقدم يخبرهما بأنه لن ينتظر إكمال السيارة لأنه ملتزم بموعد في القاهرة وسيتحرك الآن وسيقوم بإستئذان سائق السيارة الأخري وهو ما تم ويقول ركبتها مكرهًا بشرط ان أركب في المقعد الأخير حتى أستطيع النوم طوال الطريق إلى القاهرة، ووافق السائق وصديقى، وما أن هممت للدخول و الجلوس وجدت صديقى يصر على أن أجلس بجانبه في المقعد الذي يقع في المنتصف خلف السائق مباشرة.

فرفضت لتعبى الشديد فإذا به يصر وأنا ارفض وهو يصر وأنا أرفض، فتعجبت من مدى إصراره وهو الشخص المسالم جدًا ولم اعهده صلب الرأس هكذا قبل ذلك ولا من بعدها ووافقت بعد إصرار شديد منه، ويكمل حكايته -التي تثبت أنه أيضًا رأي الله-، كالعادة غفوت ولا أدرى لكم من الوقت ولكنى إستيقظت على صوت صراخ وصيحات مكتومة وأصوات إحتكاك واصطدام وفرامل، فأصحو من نومي وأنظر لصديقى المفزوع وهو يردد الشهادتين ومغمض العينين في أنتظار أمر الله لأطمئنه، وأنظر خلفى لأجد أن المقعد الذى كنت انوى النوم عليه بالإضافة إلى الجزء الخلفى كاملًا من السيارة قد تحول إلى قطعةلا يزيد سمكها عن سنتيمتر، فأنظر أمامي فلا أحد لمقدمة السيارة أي أثر، فتتناثر المشاهد كومضات فى عقله المرهق المكدود، فيتذكر مسببات سببها الله لنجاته مابين دعوة أمه وإصرار صديقه لأول مرة علي رأيه، ليتذكر سؤال صديقه الملحد وكأن الله قد جعل الإجابة تتجلي بصوت يدوي فى دهاليز روحه “تصرخ روحه داخله نعم إنه موجود، إنني أراه، أراه دومًا، رأيته رؤيا القلب والروح وهى اصدق من رؤية العين بملايين المرات”، وحكاية عبد الفضيل لا تختلف عن حكايات كثيرة نراها ونشاهدها ونسمعها يوميًا، فكم من لطائف ربانية مماثة أو أكبر في حياتنا، كم مرة نجوت أو نجا أحد من أسرتك من صق الكهرباء أو الغرق بالماء أو حادث سير والكثير من الحوادث لا لشيء نجوت فقط بفضل الله ليس إلا نجوت لأنه موجود وقدر لك ولهم النجاة.

 

والتعامل مع الملحدين بهدف دعوتهم تحتاج إلى معرفة بعض الأسس، حتى يستطيع صاحب الدين المُتصدي لهذا الكفرأن يحفظ نفسه من الزلل في شبهاتهم من ناحية، وأن يعرف مداخل التأثير فيهم من ناحية أخرى، فلابد من ثقافة ووعي في الدين يعينه على أن يحصن نفسه بداية، وأن يعرض بعدها لغيره الحجة الدامغة والدليل القاطع على كلامه وحديثه، خاصة أن الملحد يرفض مبدأ الإيمان القلبي بوجود الله لإصراره على معرفته بحواسه، فإستخدام الحجة العقلية والدليل المنطقي،الإيمان يدخل القلب عن طريق العقل ثم يستقر في القلب عاطفة، وهذا هو أسلوب القرآن الذي خاطب العقل ولفت انتباهه ومداركه للكون والحياة، كما أنه لا يستطيع أن يقيم الدليل على عدم وجود الله لا بالعقل ولا بالنقل، (ومن أظلم ممَّن ذكِّر بآيات ربِّه فأعرض عنها ونسي ما قدَّمت يداه إنَّا جعلنا على قلوبهم أكنَّةً أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذًا أبدًا).

 

نعم “رأيت الله” عشرات بل مئآت وآلاف المرات، حين رسخ أبي وأمي وأهلي وعائلتي ومدرسيني وأساتذتي هذة الآية العظيمة : “وإذ قال إبراهيم ربِّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي”، رأيته حين سترني ورزقني وعافاني المشاهدة بهذة العين البشرية مستحيلة ولكن رؤيا الله سبحانه وتعالى قد تتجلى في خلقه وفي هذا الكون تتجلى في الإبداع الذي أبدعه سبحانه، فالرؤيا لا تعني المشاهدة العينية ولكن قد تعني المشاهدة الحسية نعم وإستشعرته في قلبي وكياني، رأيته في قوته وعظمته رأيته في تنظيم هذا الخلق رأيته في إنتقامه ورأيته في رحمته، “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” (46 الحج)، نعم … “رأيت الله”.

 

عن حسام فوزي جبر

شاهد أيضاً

برعايه وزاره التضامن .. أضاحي العيد توزّع بعدل ورحمة.. الهلال الأحمر يصل بكرم العطاء لـ 20 ألف أسرة

متابعه – ندا حامد في مشهد يعكس قيم الإنسانية والتكافل المجتمعي، وبدعم مباشر من وزارة …