كتب/عادل خليف
شهدت مكتبة الإسكندرية مساء اليوم افتتاح مؤتمر “العالم ينتفض: متحدون في مواجهة التطرف”، والذي يقام في الفترة من 17 إلى 19 يناير 2017، ويشارك فيه باحثين ومفكرين وخبراء دوليين متخصصين في قضايا التطرف.
افتتح المؤتمر كل من الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، ومعالي الوزير الدكتور محمود الهباش؛ قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس الفلسطيني، وسعادة الشيخ الدكتور خالد بن خليفة آل خليفة؛ نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي بالبحرين، والدكتور لي شياو شيان؛ رئيس معهد الدراسات العربية في الصين، وقام بترجمة كلمته الدكتور أحمد السعيد؛ الخبير في الشئون الصينية.
ووقع الدكتور إسماعيل سراج الدين خلال الافتتاح اتفاقيات تفاهم للتعاون في برنامج مواجهة التطرف والإرهاب، وذلك مع كل من اللواء الركن خالد الفضالة، رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، والأستاذ أندريوس بيشيس؛ رئيس الجمعية الأوروبية المتوسطية العالمية للتعاون في ليتوانيا، والأستاذ ضياء رشوان؛ مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وأعرب الدكتور إسماعيل سراج الدين عن سعادته الغامرة لحضور هذا العدد الكبير من المثقفين المصريين، وشركائهم من بقية الدول العربية، فضلا عن عدد من الأكاديميين من دول أوروبا والولايات المتحدة وأسيا، أملا في أن يكون المؤتمر هذا العام مثمرا في التباحث بشأن التطرف، وأبعاده المتنوعة، والجهود التي تبذل من أجل التصدي له. وأضاف أن عنوان المؤتمر هذا العام يشير إلى الانتقال من ظاهرة التطرف في المجال العربي إلى الأفق العالمي، حيث لم تعد ظاهرة التطرف، ومن ثم الإرهاب محصورة في المنطقة العربية أو هذه البقعة من العالم، أو كما يحلو للبعض أن يلصقها بالمجتمعات الإسلامية وحدها، ولكنها باتت ظاهرة كونية تؤرق دول العالم شرقا وغربا، مما يستدعي أن نكون جميعا متحدين في مواجهتها، ونحن على يقين أن مستقبل العالم رهن بالانتصار في هذه المعركة من أجل التأكيد على قيم الاستنارة والتنوع والفهم الرحب في مواجهة الغلو، والتشدد، وضيق الأفق، الذي عادة ما يرسى دعائم البنية الأساسية الفكرية التي تسوغ الأعمال الإرهابية التي قاسي، ويقاسي منها العالم، وما حدث خلال العام الماضي من أحداث إرهابية بشعة في مصر وعدد من الدول العربية وأوروبا أدمت قلوبنا جميعا يثبت بجلاء أن البشرية باتت في قارب واحد تجاه هذا الخطر، وإما أن نكون أو لا نكون… إما أن نخوض معركة حقيقية في مواجهة الفكر المتطرف أو تتعرض الانسانية لانتكاسة حضارية قاسية تتمثل في سيادة أفكار الغلو والسمو والاستبعاد والعنصرية والشوفينية، وهو آخر ما نحتاج إليه في سعينا إلى تحقيق التقدم، وقد قاست البشرية عبر تاريخها من سيادة هذه النوعية من الأفكار، وجاء الوقت الان كي نقف منتبهين يقظين جادين في مواجهتها.
وأوضح أن مكتبة الإسكندرية سعت على مدار الأعوام الثلاثة الماضية إلى المساهمة في جهود مواجهة التطرف، وقد شغلها منذ تأسيسها قضايا عديدة وثيقة الصلة بهذه المعركة مثل قضايا التسامح، والحوار، ومواجهة التطرف والغلو، وحرية الرأي والتعبير، والانشغال بقضية الإصلاح بمختلف جوانبها. وجاء اهتمامها في الأعوام الثلاث الأخيرة بالمواجهة الفكرية لظاهرة من خلال طرح برنامج شامل يشمل بالإضافة إلى المؤتمر السنوي للمثقفين العرب، عقد ندوات وحلقات نقاشية مشتركة مع المراكز الثقافية والبحثية في الدول العربية وأوروبا، والتعاون مع الأزهر الشريف ودار الافتاء في عقد ندوات وفعاليات محلية للشباب، وإصدار مطبوعات تهدف إلى مواجهة الفكر المتطرف، ونشر التسامح والاستنارة، والحفاظ على الأجيال الشابة من الاختطاف إلى براثن الفكر المتطرف.
وفي مطلع عام 2015م عقدت المكتبة مؤتمرها الأول للمثقفين العرب بعنوان “نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف” تمخض عنه بيان شامل، احتل الحديث عن الإعلام والتعليم مساحة أساسية فيه، عٌرضت نتائجه على القمة العربية التالية التي عقدت في مارس عام 2015م في شرم الشيخ، ومضت مكتبة الإسكندرية في طريقها بعقد المؤتمر الثاني في مطلع عام 2016م تحت عنوان “صناعة التطرف: قراءة في تدابير المواجهة الفكرية”، والذي شارك في أعماله عدد كبير من المثقفين.
وأضاف أنه في خلال العامين الماضيين عقدت مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع عدد من المؤسسات الثقافية المرموقة في الدول العربية ورش عمل متخصصة، ساعدت في الوصول إلى جمهور أكبر، وتعميق الفكر، ونشر رسالة مواجهة التطرف على نطاق واسع: من السعودية إلى المغرب، مرورا بتونس والأردن والسودان عقدت المكتبة مع مؤسسات شريكة لقاءات حول نقد المقولات الأساسية للتطرف، علاقة التعليم بالتطرف، والتأكيد على قيم التسامح والتنوع في المجتمعات العربية، وفي أواخر شهر نوفمبر من العام الماضي عقدت مكتبة الإسكندرية ورشة عمل مهمة بالتعاون مع جامعتي كامبردج وبرمنجهام في بريطانيا تناولت قراءات متباينة لمفهوم التطرف بين المجتمعات العربية والغرب، فضلا عن استعراض الجهود البحثية والأكاديمية في تصنيف مستويات مواجهة التطرف، فضلا عن استعراض النتائج السلبية التي ألمت بالتراث الإنساني والثقافي من جراء الإرهاب.
وأكد سراج الدين على مسألتين أساسيتين تحرص عليهما مكتبة الإسكندرية، المسألة الأولي: أن المكتبة مؤسسة ثقافية متعددة المجالات، تعمل وفق منهاج عمل يقوم على التراكم، والبناء المستدام، الذي يعتمد فيه السابق على اللاحق، والسعي دائما إلى الالتزام بالخطة، وبناء الكادر المؤهل، تسعى لتحقيق المعايير العالمية، وهو ما أهل مكتبة الإسكندرية أن تنافس وتتفوق على مثيلاتها على مستوى العالم، كل ذلك بأياد مصرية، شابة، وجدت المجال للإبداع والاجتهاد. وفي رسالتها، ترتبط المكتبة بعلاقات تواصل وشراكة مع مؤسسات شريكة، تحمل ذات الرسالة الثقافية، وهو ما يساعد على تحقيق التراكم في العمل الثقافي، وهذه قضية أساسية، نحن لا نبني بمفردنا، ولكن بالتعاون مع مؤسسات شريكة مما يجعل للبناء الثقافي دعائم، ويعمق انتشار الرسالة الثقافية، ويجعل هناك إمكانية لتحقيق الاستدامة والتأثير في العمل.
وأضاف أن المسألة الثانية أنه في مجال مواجهة التطرف، وما نشاهده من أعمال إرهابية ينفطر لها القلب والوجدان، نؤمن بأن المواجهة العسكرية للجماعات المتطرفة والمواجهة الأمنية ضرورة للحيلولة دون وقوع أحداث إرهابية، ولكن أيضا نؤمن ونعمل جاهدين لتحقيق المواجهة الفكرية ضد الأفكار الضالة المضللة التي تدعو إلى التطرف، ودورنا أن نواجه الفكر بالفكر حتى نفرغ الفكر المتطرف من ادعاءاته، ونحرمه من شرعيته المزعومة، ونخاطب عقول جماهير تحتاج إلى الاستماع إلى خطاب الاستنارة، والتقدم، والتسامح، ومواجهة التشدد والغلو.
ولفت إلى أنه في كل المبادرات التي تقوم بها مكتبة الإسكندرية في إطار برنامج مواجهة التطرف نتعاون محليًا وعربيًا ودوليًا مع مؤسسات أكاديمية، وثقافية، ودينية، وإعلامية، بهدف تنسيق الجهود، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة التطرف، مبينًا أن المؤتمر يشهد العديد من الجلسات العامة، وأخرى المتوازية، تستوعب عشرات المشاركين، بهدف الاستماع إلى وجهات نظر متنوعة، والتعرف على خبرات متعددة من دول مختلفة، فضلا عن فتح المجال أمام تبادل الخبرات، والتعلم المتبادل، والتفكير النقدي المشترك.
من جانبه، أعرب الدكتور محمود الهباش عن سعادته لوجوده في مكتبة الإسكندرية، ومشاركته في هذا اللقاء على أرض مصر في مواجهة التطرف والإرهاب، مؤكدًا أن مصر الأزهر تعرف الاعتدال والسير الصحيح في طريق النهوض بالإنسانية كلها. وأشار إلى أن العالم يعاني الآن من تداعيات التطرف، وقد زادت حدة هذه المعاناة في الآونة الأخيرة، وأخذت أشكال متعددة وصور مختلفة شديدة البؤس والسوء تعكس معاناة الإنسانية على مستوى الفكر والوعي والإدراك لمعنى الإنسانية. وأضاف: “جئتكم من بلد وشعب قضى أكثر من قرن من الزمان وهو يعاني من التطرف والإرهاب. فلسطين التي يعاني شعبها على مدى قرن منذ أن منح من لا يملك وعدًا لمن لا يستحق”.
وأكد أن الإرهاب قد مورس ضد الشعب الفلسطيني بأبشع الصور، وشكل ذلك بذرة التطرف والإرهاب في عالمنا المعاصر، فالشعب الفلسطيني شعب مسالم ينبذ التطرف والإرهاب ولا يملك إلا حقه في الحياة. وشدد على حقنا في أن نعرف ما هو الإرهاب الذي يجب أن نتصدى له، فالبعض يقوم بإلصاقه بالمسلمين، وهذا غير صحيح تمامًا، فالعرب والمسلمون يعانون من التطرف الذي مورس ضدهم.
وأوضح أن أول خطوة في مواجهة الإرهاب هي أن نعرف معناه ومفهومه ومولداته، فالتطرف يتغذى على الجهل؛ أي جهل الناس بأساس الدين والإنسانية، والفقر؛ الذي تعاني منه العديد من الدول ويعتبر أساس الانحراف الفكري والسلوكي والعقائدي، وذلك بالإضافة إلى الظلم الذي يقع على الناس ويتم السكوت عنه.
وأضاف أن الإسلام بريء من التطرف والإرهاب، وعلينا أن نطلق نداءً لكل أصحاب القرار بأن يتم القضاء على بؤر الظلم والعدوان الذي يمارس على الشعوب والأفراد، والذي يعد أصل من أصول المواجهة الصحيحة والناجحة للإرهاب والتطرف، مؤكدًا أن أول تلك البؤر هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين.
من جانبه، أكد الدكتور خالد بن خليفة آل خليفة؛ نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي بالبحرين، أن الوضع الإقليمي والظروف التي تمر بها المنطقة تضعنا أمام عدد من الحقائق التي يجب مراجعتها في مواجهتنا للتطرف والإرهاب، حيث إن آفة التطرف والإرهاب مزقت هذا الكيان العظيم من الداخل، وبالرغم من الجهود المبذولة إلا أن الإرهاب مازال يخطف العديد من الأرواح. وأكد أن أحد أسباب انتشار هذه الآفة هو التدخلات الخارجية السافرة في شئون دولنا، وطبيعة بيئتنا المليئة بالاحتقانات التي أعاقت جهود تشخيص الواقع العربي ومواجهة المشكلات جذريًا.
وأكد أن التصدي للتطرف والإرهاب أصبح من أهم الأمور التي تستدعي تضافر الجهود بين المؤسسات والدول لحلها، وذلك من خلال الوعي بثلاثة حقاق أساسية؛ أولها: أن الدين الإسلامي ليس هو المستهدف من كل ما يجري، بل هو أداة تم استغلالها للوصول لأراضينا وما عليها من موارد وإمكانات، وثانيها: عدم وجود تعريف دولي للتطرف يقوم على أساس مقاييس ومعايير واضحة مما شجع فرص نمو الإرهاب عن طريق محاباة المنظمات الدولية لبعض الأطراف وازدواجية المعايير، وثالثها: استغلال الإرث التاريخي لبعض النزاعات في تأجيج الطائفية والتعصب الذي أفسد الولاءات للأوطان.
وفي كلمته، أعرب الدكتور لي شياو شيان؛ رئيس معهد الدراسات العربية في الصين، عن سعادته لتمثيل الصين للمرة الأولى في مؤتمر مكتبة الإسكندرية، والذي أتاح الفرصة أن يسمع جمهور العالم العربي صوتًا من الصين. ولفت إلى أن الإرهاب بدأ في ثمانينيات القرن الماضي في أفغانستان عندما دخل الاتحاد السوفيتي أفغانستان وظهور قوى جهادية بحجة مكافحة الإرهاب، وذلك بتخطيط وتنظيم أمريكي. وقام الجهاديون بإنشاء قاعدة لهم وشبكة اتصالات دولية كبرى وانتقلوا إلى دول متعددة. وشدد على أن الإرهاب الدولي تطور عن طريق ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان ثم العراق، مبينًا أن أمريكا دمرت دولة العراق وأثرت على استقرار المنطقة العربية بأكملها من أجل تحقيق مصالحها.
وأكد أن الإرهاب زاد في العالم بالرغم من ادعاء الولايات المتحدة الأمريكية محاربته في السنوات الأخيرة لعدة أسباب؛ أولها: رؤية أمريكا وقادتها للإرهاب، حيث وضعت أمريكا أهدافًا حربية ليس لها علاقة بالإرهاب لتحقيق مصالح شخصية، وثانيها: عدم وجود تعريف موحد في العالم لماهية الإرهاب، وثالثها عدم حل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وشدد على أن خطورة الإرهاب تزداد بالنسبة للصين يومًا بعد يوم، خاصة مع تزايد العمليات الإرهابية في 2016، ولذلك علينا أن نعمل سويًا لمواجهة هذا الخطر الذي يواجه دول العالم بأكملها.