ويبقى العود ما بقي اللُحاء … أحمد كشك

لقد جاء الإسلام داعيا إلى مكارم الأخلاق وأحسنها حيث وضح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) فهذا هو جوهر الإسلام وصمام الأمان الذي إن نزع اختل توازن المجتمع ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( أكمل الناس إيمانا أحسنهم أخلاقا )) فالأخلاق هي الضامن الوحيد والكافل لصلاح المجتمع وانتشار الحب والود والتعاطف والترابط بين أفراد المجتمع وبالتالي انتشار الأمن والأمان فيه
ولعل من أهم الأخلاق التي نفتقدها في مجتمعنا الان خلق الحياء وهو مالا يخفى على أحد في مجتمعنا في شتى مجالات الحياة سواء في الكلام أوالملبس أو المعاملات أو غير ذلك مما يمر به الإنسان في حياته اليومية مما لا يدع مجالا للشك إلى احتياجنا للدعوة إلى هذا الخلق العظيم
لذلك نرى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتأكيده على هذا الخلق حيث كثرت الأحاديث الداعية إليه والموضحة إلى فضله وأهميته
فيبين لنا النبي صلى الله عليه وسلك أن الحياء من الأهمية بمكان حيث أن لكل دين خلق يتميز به وأن أهم ما يميز الإسلام هو خلق الحياء ففي حديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن لكل دين خلق ، وخلق الإسلام الحياء ))
وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الحياء جاء مقرونا بالإيمان وسمة من سمات العبد المؤمن حيث قال : (( الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )) وبين ووضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الحياء لا يأتي أبدا إلا بالخير
ولذلك قيل :
إذا لم تخشى عاقبة الليالي .. وتستحي فافعل ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير .. ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيى بخير .. ويبقى العود ما بقي الحياء
وقيل أيضا :
ورب قبيحة ما حال بيني .. وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن .. إذا ذهب الحياء فلا دواء
إن من يلزم الحياء ويتصف به يوافق صفة من الله الله عزوجل فإن الحياء صفة ثابتة لله حيث قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر )) ، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء في الترمذي عن سلمان رضي الله عنه : (( إن ربكم تبارك وتعالى حيي ستير يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا )) أي يستجيب الدعاء لمن يشاء .
وليس ذلك فحسب إنما الملائكة تتصف بالحياء فالملائكة تستحي أن تنظر إلى عورة الإنساء حين يكشف عنها بل تستحي أن تنظر إلى جماع الرجل مع زوجته وأكثر من ذلك ففي قصة نزول الوحي أكبر دليل على ذلك حينما جاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطرحت عنها حجابها فانصرف الوحي حياءا وحين دخل عثمان رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كاشفا عن ساقيه أو فخذيه فقان واعتدل وغطى وكان قد دخل عليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قبله فظل كما هو لم يعتدل فاستعجبت عائشة رضي الله عنها وسألته عن ذلك فقال : (( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ))
والحياء صفة ثابته للأنبياء من قبل فكان موسى عليه السلام شديد الحياء حتى أن قومه ظنوا أنه به مرض أو عيب في جسده وتكوينه من شدهة حياءه أن يخلع ملابسه أمام أحد أو أن تتكشف عورته أمام الناس قال الله عز وجل : (( ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ))
وفي حياء موسى قصة عظيمة أوردها القرآن الكريم تضرب أروع الأمثلة في الحياء للرجل والمرأة قال تعالى : (( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)(()) سورة القصص
فانظر وتدبر إلى حياء موسى وحياء المرأتين الذي نفتقده في زماننا هذا إلا من رحم ربي وقد لخص النبي الحياء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : ((استحيوا مِن الله حقَّ الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحيي، والحمد للَّه. قال: ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرَّأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة، ترك زينة الدُّنيا، فمَن فعل ذلك، فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء))
لذلك علينا أن نرجع إلى إخلاق الإسلام وأن نعلم أولادنا ونسائنا وبناتنا هذه الأخلاق من أجل مجتمع أفضل ومستقبل أجمل بإذن الله تعالى

عن حسام فوزي جبر

شاهد أيضاً

أهم أدعية العشر الأواخر من رمضان

بدأت أولى ليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان 2023 وهي ليلة 20 من رمضان وتستمر …