أشغل فيلم بثته قناة “روسيا 1” وسلطت الضوء فيه على استشراء الفساد في أوساط السلطة الأمريكية الرأي العام في الولايات المتحدة وعرى انتهاكات مسؤولين كبار على رأسهم باراك أوباما. واستند الفيلم الروسي الذي حمل عنوان “الإمبراطور أوباما” واعتبره كثيرون ردا على فيلم “ثروات بوتين السرية” الذي بثته “بي بي سي” مؤخرا إلى أدلة وبراهين جمعها وأبرزها لفيف من الخبراء والمختصين الماليين الأمريكيين، تكشف عن تورط وزارات وهيئات أمريكية بما فيها إدارة الرئيس باراك أوباما شخصيا بالفساد وتبديد المال العام بالمليارات. وبين الشخصيات الأمريكية البارزة التي تهدر مال دافعي الضرائب السيدة الأمريكية الأولى ميشيل أوباما التي يتهمها الفيلم بالتبذير مستغلة حسابات عقيلها ووسائل نقله وجهاز حرسه، فيما صرف أوباما 74 مليون دولار على تغطية نفقات برامج استجمامه وراحته في غضون 7 سنوات. وأكد الخبراء الذين يشيرون بأصابع الاتهام بالفساد علانية إلى القيادة الأمريكية، أن التجاوزات المالية في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكييتين غدت أمرا اعتياديا منذ أمد. فوزارة الدفاع الأمريكية، حسب خبراء الفيلم تنفق وعلى سبيل المثال ملايين الدولارات على توريد الماعز الإيطالي إلى أفغانستان في إطار ما يسمى بعملية “تطوير الاقتصاد الأفغاني”، وكأن أفغانستان لا تعاني سوى الوهن الاقتصادي، ولا تنشد دعما إلا على هذا الصعيد. الكونغرس الأمريكي بدوره يرصد مبالغ خيالية لتمويل بحوث علمية وبرامج دفاعية مزمنة وعديمة الجدوى، منها ولصالح مشاة الجيش الأمريكي عتاد “أسطوري”، وطابعة ثلاثية الأبعاد لتحضير البيتزا في الفضاء، فضلا عن قاذفة “إف-35” العاجزة بقيمة 220 مليون دولار للقطعة. المفتش الأمريكي ستيف لينيك جمع أدلة دامغة تدين وزارة الخارجية الأمريكية بهدر ستة مليارات دولار أذهبتها أدراج الريح، فيما رفضت أجهزة التحقيق والنيابة العامة الأمريكية الأخذ بالاتهامات وإثارة التحقيق ولو حتى شكلا أو خشية على الأقل من وسائل الإعلام والرأي العام. وبين أهم الاتهامات الموجهة للرئيس الأمريكي بالفساد، تعاظم ظاهرة حماية مصالح زمرة من الشركات مع اعتلائه كرسي الرئاسة وتسلمه دفة الحكم في البيت الأبيض، حيث تشير المعلومات التي جمعها الصحفيون الروس بين مواد فيلمهم إلى أن الشركات الأمريكية التي استطاعت “الذود” عن مصالحها “بالتفاوض مع المسؤولين المعنيين في حكومة أوباما”، حصلت على دعم مالي حكومي يفوق ما تلقته الشركات المنافسة لها بـ72 ضعفا. ولفت الفيلم النظر إلى أن “تبعية” الرئيس الأمريكي للشركات التي مولت حملته الانتخابية صارت ظاهرة للعيان وبشكل فاضح، بل هي تتجلى في السلك الدبلوماسي، إذ أنه ووفقا للبيانات الرسمية الأمريكية فإن 53 في المئة من سفراء الولايات المتحدة لدى الدول الأجنبية كانوا من الممولين المباشرين لحملة أوباما الانتخابية. صدى “الإمبراطور أوباما” تردد في موسكو، حيث اعتبر قسطنطين كوساتشوف رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي للشؤون الدولية أن “الأمريكيين أنفسهم هم من يقيمون أصلا حجم الفساد المستشري في أوساط سلطاتهم الفدرالية، فهم يلمسون ذلك من خلال ممارسات الشرطة والقاضي الفدرالي والرئيس الأمريكي بعينه”، مشيرا إلى أنه “لا يوجد تقييم أصدق مما يجمع عليه 81 في المئة من الأمريكيين المؤمنين بتغلغل الفساد” في هيئاتهم ووزاراتهم. جيرالد سيلانتي رئيس تحرير مجلة Trends Journal وهو كاتب وباحث اقتصادي أمريكي متخصص في ما بات يعرف بـ”علم المستقبل الاقتصادي”، قال في تعليق على ما ورد في الفيلم الروسي: “الجميع يعلم بما حدث في مدينة فلينت في ولاية ميشيغان الأمريكية، التي تعاني تلوثا خطيرا نتيجة لمعاودة شركة General Motors نشاطها الذي تسبب بتلوث مياه نهر المدينة. رد السلطات اقتصر على تزويد الأهالي بمصاف بلا جدوى عوضا عن رفد المدينة بمياه الشرب النقية، الأمر الذي خلص إلى حالات تسمم شاملة طالت عموم السكان، ما اضطر الرئيس الأمريكي للقدوم شخصيا إلى المدينة والوقوف على ما تعانيه”. وأضاف: “هذا الشخص، أي الرئيس الأمريكي، اكتفى برصد خمسة ملايين دولار للمدينة، فيما هو ينفق ملايين الدولارات فقط على استجمامه”. مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الروسية، التي تناولت “الإمبراطور أوباما” باهتمام ملحوظ، عجت بالانتقادات وعبارات التهكم على كيفية تعامل السلطات الأمريكية مع مواطنيها عندما يتعرضون للكوارث. واستذكر المدونون في هذه المناسبة تقصير السلطات الأمريكية في مواجهة إعصار كاترين سنة 2005 وكيف ترك الأمريكيون ليغرقوا في مياه السيل التي اختلطت بمياه البحر والكيميائيات والنفط والصرف الصحي في نيو أورلينز، وكيف حشدت فرق الإنقاذ آلاف الناجين في ملعب المدينة لينهار عليهم هو الآخر. كما أعاد المدونون الروس إلى الأذهان كيف تهب وزارة الطوارئ الروسية لإغاثة المنكوبين في روسيا على امتدادها وتعوض الدولة المنكوبين جراء الفيضانات والحرائق بمنازل جديدة بأثاثها، وفي فترات زمنية قياسية تحت إشراف شخصي من كبار المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين. وعلى العكس من ذلك، وبين التعليقات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الروسية أيضا، كانت تلك التي آثرت تبرير طبيعة العيش الأمريكية بأن المجتمع هناك يقوم على نظام رأسمالي ويستند إلى منظومات التأمين، كما اعتبر البعض أن الإنفاق الكبير على استجمام الرئيس الأمريكي ليس هفوة شخصية لأوباما وعائلته، وإنما نتاج لنظام متكامل تحكمه معايير الميزانية الأمريكية بما يليق بمنصب الرئيس. وبالوقوف على الفيلم، والأثر الذي تركه في نفوس المتابعين بين مؤمنين بالمنظومة الأمريكية، ورافضين لها بالمطلق لاعتبارها نظاما صارما يطحن الضعيف ليبقي على القوي، يتبادر إلى الأذهان الكثير من الأسئلة، وأهمها: ما الفائدة من أن يكون الأمريكيون أول من يعلم بحجم الفساد المتفشي بين أوساط السلطة في بلادهم وأن يجمع 81 في المئة منهم حسب Rasmussen Reports على أن الولايات المتحدة “تتصدر” قائمة البلدان التي تعاني الفساد في العالم؟ وما الفائدة من أن يكون الرأي العام الأمريكي على دراية تامة بما ترتكبه السلطة من أخطاء، دون أن تكون للمواطن يد في تصحيحها. أليس من الأجدى بالسلطات الأمريكية حينما تتحدث عن الفساد في هذا البلد أو ذاك لدى وضع “التصنيفات العالمية”، أن تعكف أولا على تطهير أرضها من الفساد؟