بقلم
شرين صليب
قدر أن تترك عالمك الذي ترعرت فيه، وتذهب لبلد جديدة سواء داخل وطنك أو خارجه وتتغرب لعالم آخر مختلف عنك في كل شئ سعياً وراء تعليم أو العمل لمستقبل أفضل فيه امكانيات أحسن. فالغربة من وجهة نظري ليست فقط مكان فقال علي بن أبي طالب “فقد الأحبة غُربة”. وتختلف من شخص لآخر فهناك من يفقد أعز الناس له فيشعر أنه غريباً وحيداً ومنهم من يعيش وسط أشخاص مختلفين فكرياً عنه فيشعر بالغربة وعدم الانتماء للمكان، وغيرهم وسط عائلته لا يفهموه فيظن نفسه غريباً ولا يتحدث معهم عن نفسه لأنه يثق بينه وبين نفسه أن الكلام لا يجلب له سوا المشكلات ،ومنهم وسط أصدقاءه لا يستطيع التكيف معهم فيراوده نفس الشعور. فالغربة لم تعد مقتصرة أنك خارج الوطن بل الأشخاص أيضا. والغربة والوحدة مرتبطان سويا. وتشعر بهذا أكثر في غربة المكان والأسوا أن يكون الأثنين معا.
رغم كل هذه المشاعر المؤلمة الإ أنها ستعلمك الحكم والأقوال التي كنت تقرأها في الكتب عملياً معك. أولها قيمة أنك تحمل سمعة عائلتك وبلدك فأنت سفير لهم وكيف أن تحافظ علي نفسك وتأخذ من كل موقف وشخص الجانب الايجابي الذي يبني شخصيتك رغم وجود كل الملاذ التي يحلم بها غيرك. وأنكان ذلك يرجع لتربيتك ولكن ستطبقه عملياً إن كنت علي خُلق. تعلمك الاعتماد علي النفس فكل شئ تتعرض له تكون وحدك دون أن تتنظر مساعدة من أحد، ستجد نفسك مريضاً وأنت طبيب نفسك لأنك ستسير بمبدأ إذا كنت وحيداً وأنت بالفعل كذلك ماذا أفعل؟ ستطبق مقولة وجودهم حسن لي ولكن بدونهم فأنا أستطيع. تعلمك القسوة من وجهة نظر الآخرين علي نفسك وعليهم وأن كان بداخلك عكس ذلك فلا تتضطر أن تأتي علي نفسك وكرامتك من أجل أشخاص لا يعرفون سوا مصلحتهم، فحقا كل ما وصلت إليه كان بمجهودك لا لأحد فضل عليك. نتيجة أنك تقابل أشخاص من ثقافات وبيئات اجتماعية مختلفة عنك تماما، تعلمك احترام جميع الآراء بصدر رحب حتي وأن كانت منافية لك، لأنك تضع نفسك مكان الآخرين فتلتمس لهم العذر.
فهذه بعض الجوانب الايجابية للغربة من واقع تجربتي الصغيرة، ورغم ذلك ستأتي المشاعر السلبية عندما تجد أصدقاءك الذين تربيت معهم يخرجون ويقضون الوقت الممتع وأنت لست في الصورة. وعندما تنزل اجازة فالجميع يعاملك كالضيف وينسوا أنك صاحب مكان، وحين تجتمع معهم تجدهم تغيروا عن ما تركتهم ويشعرونك بالعكس أنك من تغيرت وهم لايعلموا ما تحتفظ به داخلك من فرح لتعيده حين تراهم. الأسوا أن تظل هكذا رغم تكيفك علي الوضع الجديد الإ أن الحنين للماضي مؤلم. تظل في حيرة دائما بين الرغبة في البقاء لأن هنا يوجد الامكانيات والمستقبل وبين العودة للأهل والأصدقاء تظل شريداً غربياً بين الأثنين وهكذا حتي الممات. وهو من أسوأ المشاعر التي تمر علي أي إنسان.