في هذه الأيام نجد من يقول أن بين الدين والعلم عداء، وأن في طبيعة الدين شيئأ يعاند طبيعة العلم أو بالعكس. فلو نظرنا في الحضارة الحديثة في زماننا لوقعت أعيننا لأول وهلة أشياء تدل علي أن العلم يجري تياره بأقصى ما جرى تيار من التقدم في كل العصور، ونجد بجانبه روح الدين ُ قائمة راسخة القواعد، وأنها لم تكن في عصر من العصور الماضية بأكثر ثباتًا في النفوس َ منها في عصرنا هذا.ولكن لا ننكر أنه مر على الدين عصور خفَت صوته في الحضارة الغربية، خاصة فيما بعد العصر الوسيط ، ولكنَّ َ نجد مع هذا أنه مهما خفَت صوته في الخارج نجد أنه في النفوس لم يضعف، وركيزته اليقينية لم تمت ،لأن الناس يحتاجون إلي الدين دوما، والحقيقة أن الصراع ليس قائما بين العلم والدين. لأن العلم والدين كل َ منهما يستمد من ناحية من نواحي التكوين الفكري في الإنسان؛ لهذا ظل الدين باقيٍّا، وظل العلم ثابتًا لأن كلا منهما مظهراً من مظاهر الفكر الإنساني ، ولذا فإن العلم الآن أصبح ضرورة من ضرورات المجتمع الحديث،وأداته العقل البشري الذي يكتشف الحقائق العلمية ثم يطبق هذه الحقائق في الواقع الإنساني ،والدين ركيزة ثابتة في حياة الأمم والمجتمعات ،وفي ديننا الإسلامي نجدأن الخطاب الإلهي للإنسان المسلم قائما علي العقل في النظرإلي الكون والمخلوقات التي تشاركه في هذا الوجود ”أفلاينظرون إلي الإبل كيف خلقت والي السماء كيف رفعت وإلي الجبال كيف نصبت وإلي الأرض كيف سطحت ..“ إذن فلا يمكن القول أن بين الدين والعلم صراع في ذاتيتهما ، وإلا أصبح الإنسان عبارة عن مجموعة صفات متناقضة وهيكل من الفوضى المتحركة. والواقع أن بين العلم والدين تناسق وتكامل كالقضية المنطقية التي تتكون من ً طرفين ووسط، موضوع ومحمول وحد وسط. وهي فوق ذلك لا تنتج إنتاجا صحيحا إلا إذا صحت مقدماتها . وهذه المقدمات تنطلق من العقل المشترك بين الدين والعلم ،وإن كان الدين يخاطب البشر من منطلق عقلي إلا أن هذا الخطاب يأتي من إله حكيم يتجاوز حدود العقل البشري في الفهم وهو مافوق العقل البشري، بعد هذا التحليل الدقيق أتساءل: هل يمكن للإنسان أن يكون بلا عقل ليكون بلا علم؟ وهل يمكن أن يكون بلا وازع من فوق عقليته ليكون بلا دين؟ وهل يمكن أن يكون ُّ بلا تأمل في الناحيتين ليكون بلا فلسفة؟ هذا مستحيل. مستحيل على الإنسان أن يُلغي عقله، أو يلغي وازع ما فوق عقليته، أو يُلغي تأمله في حقائق الأشياء. إذن فالعلم والدين هما أساس الإتزان في المجتمع البشري ولا تعارض بينهما ، ولكن علي أدعياء العلم بلادين، وأدعياء الدين بلا فهم ، أن يحاولوا إدراك حقائق الأشياء وحاجات المجتمع الضرورية ،إذا كانت النية هي الخادمة للإنسان وإعمار الكون.
مقال محمد أشرف