أحمد نجيب كشك يكتب
حديث الساعة الآن (البطاطس)، وبالرغم من أنها مشكلة ملموسة للجميع، إلا أننا لم نقف معها وقفة شرعية عقلية منضبطة، بحثا عن الأسباب والعلاج، وبعيدا عن الأحاسيس الملتهبة والمشاعر الهياجة، وبعيدا عن المهيجين والعملاء من أصحاب المصالح والحاقدين على بلادنا، فلو هي مشكلة بطاطس فقط يمكن أن نستبدلها بأي نوع آخر رخيص مؤقتا حتى يهبط سعرها، ولكن ليست هذه هي المشكلة.
سؤال يطرح نفسه بقوة، هل هذه هي المرة الأولى التي ترتفع فيها الأسعار عامة وليس البطاطس فقط؟ بالطبع لا، فمنذ عهد محمد علي باشا والناس تعاني من الغلاء والارتفاع المستمر في الأسعار، ويشهد على ذلك الجبرتي المؤرخ في كتبه، والتي صور لنا فيها حياة الناس ومعاناتهم وقتها، ولا يوجد مؤرخ مثل الجبرتي أرخ لأخبار مصر في القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر مثل تأريخه وتحقيقه، وكلام الناس عن عصر الملكية وانخفاض سعر الدولار تحت سعر الجنيه المصري وخلافه كلام ليس فيه إنصاف، فلم يذكروا في المقابل عدد الفقراء وقتها وأحوالهم، وكيف كان الواحد منهم لا يمتلك مليما أحمرا واحدا، وكيف كانوا عبيدا في “الوسية” التي يمتلكها الباشا وأسرته.
إذا من المسئول عن هذا الوضع القائم إلى الآن؟ هل هي مسؤولية الحكومات فقط كما يزعم المهيجون؟ فبالرغم من القدر الكبير الذي يقع على عاتق الحكومات من مسؤوليات تجاه محاربة الغلاء، وما يجب عليها من محاربة الفساد والمفسدون، وتفعيل دور الرقابة وتشديدها عليهم، وقطع الطريق على أصحاب الأموال المقرونة بالضمائر الفاسدة حيث الاحتكار والمتاجرة بقوت الفقراء، حيث أنهم أكبر أسباب الغلاء وارتفاع الأسعار في بلادنا، بل يمكن أن نقول أنهم السبب الرئيسي في ذلك، حيث لا يهمهم سوى مصلحتهم الشخصية، وما زلت أتذكر أزمة الدولار قبل ارتفاعه، وكيف جعلوه بضاعة وتجارة رائجة، وكيف استطاعوا مضاعفة أموالهم أضعافا مضاعفة على حساب ارتفاع الأسعار بجنون، ولم يلتفتوا لتأثير ذلك على بلادهم وأهلهم، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل رفعوا أسعار السلع التي يتحكمون فيها، ضاربين عرض الحائط بكل القيم والأخلاق الدينية والإنسانية والوطنية ورافعين شعار”أنا ومن بعدي الطوفان”.
لكن ليس الحل في ذلك فقط بل يبقى علينا أيضا قدر كبير من المسئولية، فانظر للمليارات التي تنفق على السجاير سنويا، وما ينفقه الفرد الواحد على التدخين والذي لولا كونه مدخن لاستطاع سد حاجة بيته وأهله، وانظر إلى الأفراح التي تقام وينفق عليها آلاف الجنيهات على أقل تقدير وما يصاحبها من إسفاف، وما ينفق في بعضها على المطربين والراقصات، وإذا صحنا بهم: ما تفعلوه سفه وتبذير! صاحوا غاضبين: “بلاش نفرح؟! ” حتى الموت لم يسلم أهل الميت من الإسراف فيه والتبذير، فنرى إنفاق لعشرات الآلاف على السرادقات ولوازمها من المشروبات والمباخر وأجور المقرئين وغيره، وحتى رغيف العيش الذي تدعمه الحكومة، فنحن وبلا فخر البلد الوحيد الذي يأكل الطير والحيوانات فيه الخبز المدعوم!! ناهيك عن كم الأغاني والأفلام والمسلسلات الهابطة والساقطة، ونحن من يدفع تكلفة ذلك كله جيوبنا، وانظر إلى كم المصطافين وما ينفقونه، وإلى المحلات التجارية وكم الزبائن المقبلون عليها وخاصة في مواسم التخفيضات، وغير ذلك مما لا حصر له ولا عد، ثم نشتكي من الغلاء!! كما يقال إذا “عرف السبب بطل العجب”.